رقية طه... أمي أنجبت تحت شجر الزيتون


عملت وأنا طفلة في الثانية عشرة من عمري، في كسارة، وبنقل الرمل، وببساتين الموز، حتى أساعد أهلي. 
وجعها كوجع آلاف الفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم، وأراضيهم، وفروا لاجئين. رقية طه، المولودة في بلدة عمقا بفلسطين، تعيش حالياً في مخيم عين الحلوة. تقول رقية: "عندما خرجنا من فلسطين، كنت في العاشرة من عمري. كنت أعيش في أمان ببيتنا. والدي كان من الطبقة الفقيرة، ولم تكن لدينا أراض زراعية حتى نزرعها ونعيش من خيرها، كمعظم الفلسطينيين. كان يعمل جزاراً، ونعيش على ما تيسر لنا من رزق، غير أن أمي كانت تضمن كرم زيتون، وتبيع إنتاجه، وتعمل على مساعدة زوجها في توفير حياة كريمة لأولادها".

تتابع: "كنا نعيش بأمان إلى أن دخل الصهاينة بلادنا، وهتكوا الأرض، وقتلوا أعداداً كبيرة منا. عندما خرجنا كنا ثلاثة أولاد وأمي وأبي، فتوجهنا سيراً على الأقدام، نحو الجنوب اللبناني كبقية الفلسطينيين الذين لجأوا هرباً من بطش العدو. وفي الطريق جاء المخاض لأمي التي كانت حاملًا في شهرها التاسع. فأنجبت أخي، الذي ولد معوقاً، وتوفي عندما بلغ الخامسة والعشرين، تحت شجر الزيتون، وبقينا أربعين يوماً بضيافة عائلة جنوبية إلى أن استعادت أمي قوتها، وتوجهنا بعدها إلى مخيم عين الحلوة".

تضيف: "عندما وصلنا إلى المخيم، أعطتنا وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين شادراً، وقطعة أرض، كانت مغطاة بالحشيش. فنظفنا المكان، ونصبنا عليه شادرنا، لكننا عشنا حياة صعبة جداً. كان الشادر يطير عند كل هبة ريح، وكنا نمشي إلى مكان بعيد عنا لإحضار الماء، وننقله على رؤوسنا. كما كان الحمّام بعيداً جداً عن مكان إقامتنا، وكنا نخاف الذهاب إليه ليلاً".

تتنهد قبل أن تعود لذاكرتها وتروي: "عمل أبي في مهنته الأصلية في المخيم. فبنى تخشيبة، وصار يذبح الغنم والبقر، ويبيع اللحم. عملت وأنا طفلة في الثانية عشرة من عمري، في كسارة، وبنقل الرمل، وببساتين الموز، حتى أساعد أهلي. يداي الصغيرتان لم تتحملا وزن القفة التي كانت تملأ بالباطون والرمل أو البحص، فكان العامل لا يملأها كلها لي، حتى أتمكن من حملها. عشنا في الشوادر ثلاث سنوات حياة صعبة، وبعدها بدأنا بالبناء".

تختم: "تزوجت وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وزوجي كان بائعاً للسمك والخضار. عندما تزوجت تركت العمل، وأنجبت خمسة عشر ولداً. لم تكن حياتنا سهلة في ذلك الوقت، وما عانيناه كان مريراً، لكننا اليوم نعيش حياة أمرّ مما كنا نعيشه في السابق. فاليوم هناك حصار اقتصادي، وحصار للمخيم، وانعدام فرص عمل. فحتى الشبان الفلسطينيون المتخرجون من الجامعات يعيشون في فقر شديد، منهم من استطاع الهجرة، ومعظمهم موجودون في المخيم، من دون عمل، يأكلهم اليأس".
المصدر: العربي الجديد 
تاريخ الاضافة: 24-10-2019
طباعة