اللاجئ الفلسطيني «يوسف بيدس».. المصرفي العبقري صاحب امبراطورية «إنترا« والأب الفعلي للإقتصاد اللبناني


تقرير: محمد السعيد/ لاجئ نت
وُصف بالعبقري من القدس، هو الرجل الذي تمنى شارل ديغول أن يكون لفرنسا شخصية مثله كوزير مالية. وهو صاحب أول تبرعٍ فاق الألف ليرة لبنانية لحركة فتح في بداياتها. أسّس في لبنان بعد ضياع فلسطين أضخم إمبراطورية مالية بالشرق الأوسط. وتحالف ضده رجال المال والسياسة في لبنان في قصة علوّ وانهيار ما زالت تثير الجدل حتى اليوم.

وُلد يوسف بيدس عام 1912 في القدس ابناً للأديب والمربي خليل بيدس. وعمل وهو شاب يافع في عدة مؤسسات مالية في فلسطين منها بنك "بارلكس" البريطاني والبنك العربي الذي أصبح مديره العام في ما بعد.

إلا أن نكبة عام 1948 اضطرته للهجرة إلى لبنان بلد زوجته وأمه. وفي بيروت أسّس بعد فترة وجيزة مكتب صيرفة برأس مال بلغ 4 آلاف دولار، بالشراكة مع أربعة من أصدقائه، وباشر العمل في صرف العملة الأجنبية وتشغيلها.

نجح بيدس بالسيطرة على جزء كبير من السوق المالي في لبنان، وحاز على ثقة شرائح واسعة من المودعين والراغبين باستثمار أموالهم لا سيما من الفلسطينيين.


ولد بيدس عام 1912 في مدينة القدس لعائلة أورثوذكسية أصيلة من مدينة الناصرة. والده خليل بيدس وهو كاتب وأديب ومترجم فلسطيني، ويعتبر من رواد الترجمة من الروسية إلى العربية حيث ترجم أعمال تولستوي وبوشكين إلى العربية.

عمل يوسف لفترة في مصر في باركلس و البنك العربي، هاجرت عائلته إلى لبنان بعد احتلال فلسطين عام 1948، وأسس هناك عام 1951 بنك أنترا على قاعدة مكتب التجار العالميون وأصبح البنك في خضم سنوات قليلة أكبر بنك في لبنان.

يوسف بيدس لاجئ فلسطيني.. استطاع بفترة قصيرة أن يكون قطباً مصرفياً عالمياً ويعتبر الأب الفعلي للاقتصاد اللبناني الحديث..

أسس شركة الطيران اللبنانية وتلزيون لبنان وموانئ بيروت بالاضافة إلى عشرات المشاريع الاستراتيجية الاخرى التي صنعت فترة لبنان الذهبية..

افتتح يوسف البالغ من العمر وقتها 36 عاماً محلاً للصرافة في بيروت، واستغل كافة الظروف المحيطة بالمنطقة وصنع منها درجات يصعد بها نحو المجد العالي.. وبعد احتلال مدينة حيفا استقطب بيدس رؤوس الأموال الفلسطينية منها مما سمح له بتأسيس بنك انترا في بيروت عام 1951، وخلال سنوات قليلة استطاع بيدس جعل البنك واحداً من أكبر البنوك اللبنانية.

لم يتوقف بيدس عند هذا الحد بل استمر في استغلال الظروف، وفي عام 1956 وابان العدوان الثلاثي على مصر استقطب جزءاً من رؤوس الأموال المصرية الكبرى وبذلك صار بنك "انترا" أكبر بنك في لبنان على الاطلاق. كما أسس شركة انتاج كبرى أراد من خلالها جعل لبنان "هوليود الشرق".

بدء يوسف بالانتشار عالمياً كمصرفي من الطراز الرفيع، وأطلق عليه بعض الغربيون لقب "المقدسي العبقري" لشدة ذكائه المالي اشترى عقارات في نيويوك وباريس واستثمر في بناء السفن بايطاليا.

حقق البنك في أعوام قليلة نجاحاً ضخماً بحيث ارتفع حجم أعماله من 5 ملايين ل.ل إلى 700 مليون ل.ل. وتحوّل إلى إمبراطورية مالية تضم حوالى 40 فرعاً عاملاً في أنحاء لبنان وعدد كبير من الدول منها سوريا، والأردن، والعراق، وقطر، وسيراليون، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا والولايات المتحدة.

وتم تأسيس مصارف شقيقة لـ"إنترا" ضَمت 33 فرعا و4 مصارف في لبنان و48 شركة. إضافة إلى الشركات التابعة مثل شركة مرفأ بيروت وراديو أوريان وفندق فينيسيا وشركة التلفزيون اللبنانية واستديو بعلبك وحوض لاسيوتا لبناء السفن في فرنسا وغيرها. وتجاوزت موازنة مجموعة "إنترا" في تلك الفترة خمسة أضعاف موازنة الدولة اللبنانية، وكانت تشغل ثلاثين ألف عامل، أي أكثر من موظفي القطاع العام آنذاك.

عام 1966، وفي قمة الإزدهار وبدون إنذار مسبق بدأت أزمة "إنترا" التي أطاحت بإمبراطورية بيدس وبالقطاع المصرفي في لبنان الذي كان يشهد انتعاشاً في تلك الفترة.

يعتبر البعض قصة بيدس نذيراً مبكراً للخلافات الفلسطينية اللبنانية في السبعينيات. فأغلب تأويلات انهيار "إنترا" تعيد الأمر إلى خوف العائلات اللبنانية صاحبة النفوذ المالي والسياسي من هذا الفلسطيني العنيد الذي هدّد عروشهم فتحالفوا ضده وأشاعوا لهذه الغاية أخباراً كاذبة تشكك في الأوضاع المالية للبنك، وضغطوا على بعض العملاء لسحب ودائعهم منه.

بحلول عام 1966 استحوذ بنك انترا على 17% من الودائع اللبنانية وهذا لم يرق للنخبة اللبنانية وقتها ويتردد أنهم تآمروا عليه لاسقاطه، وتقول بعض الروايات ان بعض السياسيين خافوا من بيدس وانشأوا تحالفاً خفياً لاسقاط امبراطوريته وايقاف تمدده.

وفي بداية عام 1966 كان يوسف في رحلة عمل خارج لبنان وظهرت اشاعات قوية بين المودعين بأن البنك ينهار بسبب استثماره بالأسهم وتوجه المودعون للبنك وطلبوا ودائعهم ولكن السيولة لم تكف العدد الكبير فطلب البنك في اجراء روتيني قرضاً من البنك المركزي اللبناني لكن البنك المركزي رفض تأمين هذا القرض ما أدخل يوسف في الأزمة.

سارع كبار المودعين لسحب أموالهم بعد خوفهم من افلاس البنك ما زاد وضع البنك بأزمة كارثية وادخله في نفق الانهيار.

يؤكد الاقتصاديون أن البنك كان يملك من الأصول والعقارات ما يغطي كل أموال المودعين لكن رفض البنك المركزي في تلك اللحظة اقراضه مبلغاً بسيطاً ادى لانهياره.

بعد انهيار البنك دخل الاقتصاد اللبناني بهزة كبرى لا زال يعاني منها إذ اتجه صغار المودعين إلى البنوك الغربية كما فقدت الثقة بالاقتصاد اللبناني، وتبخرت أحلام يوسف بجعل لبنان سويسرا الشرق بعد سحب كل المودعين العرب أموالهم.

هرب يوسف إلى البرازيل لتأمين سيولة مالية توقفه على قدميه مجدداً وبرغم عدم وجود اتفاقية تسليم مطلوبين بين البرازيل ولبنان أبرقت الحكومة اللبنانية للبرازليين بأن يوسف يمول أنشطة ضدهم ما دفع بالحكومة البرازيلية لوضعه تحت قيد الاقامة الجبرية.

بطريقة ما سافر بيدس إلى سويسرا وهناك تم القبض عليه وبعد عامين توفي يوسف بسرطان البنكرياس ولم يتجاوز الـ55 عاماً.

ظهرت نظريات عديدة تحاول تفسير ما جرى معه، منها أن اللوبي الصهيوني بالعالم حاربه لأنه مول منظمة التحرير الفلسطينية وهناك أقاويل بأن فرنسا اعتقدت بأنه عميل بريطاني في لبنان فحاربته، لكن أغلب المصادر تؤكد أن الغيرة السياسية هي التي أوقعت الرجل وأسقطت حلماً كبيراً.
تاريخ الاضافة: 23-07-2019
طباعة