"أُم فراس".. سيدة "الكِشِكْ" الأولى في غزة!


داخل غرفتها الصغيرةٍ المتواضعةٍ المُغلفة بـ"الزينكو" و"النايلون" التي يفوحُ منها عبق الماضي الجميل، لا تكاد تتوقف يدي الحاجة "أم فراس" عن تكوير كُرات "الكِشِكْ" منذ عشرات السنين، الذي يعدُ مصدر دخلٍ لعائلتها، إلى جانب أن "الكِشِكْ" يعدُ من التراث المطبخي للفلسطينيين.

وتعد أكلة "الكِشْك" من الأكلات الشعبية الفلسطينية المشهورة، حيث تحمل ارتباطًا خاصًا بالموروث الشعبي الفلسطيني الأصيل، إضافة إلى الأجواء الخاصة خلال مراحل صناعة وطهو هذه الأكلة عند الكثير من العائلات الفلسطينية.

وأخذت "أم فراس" من إعداد "الكِشِكْ" وبيعه في الأسواق صنعةً لها لإعالة اسرتها المُكونة من 12 فرداً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فما أن تنتهي من تجفيف "الكِشِكْ" حتى تبدأ بتسويق أطباقه في الأسواق الشعبية في محافظة خانيونس.

قصة أم فراس مع "الكِشِكْ" بدأت عندما كانت في العشرينات من عمرها، إذ تعلمتْ طريقة إعداده من والدتها وبدأت بإعداد أطباقه لعائلتها، وبعدها أجبرتها الظروف الاقتصادية لتسويقه وبيعه، ونظراً لإتقانها في صناعته، بدأت بضاعتها من الكشك تلقى رواجاً كبيراً في المنطقة التي تقطنها، حتى أصبح يشار لها بالبنانِ.

تقول أم فراس "أطباق الكشك بدأت تستعيد بريقها شيئًا فشيئًا على موائد الطعام في قطاع غزة، وهي أكلة مفضلة للناس؛ خاصةً كبار السن، كون الأكلة من الاطباق التراثية الفلسطينية"، أضف إلى ذلك أن "بنات اليوم ما بعرفوا يعملوا الكشك فيضطروا لشرائه جاهزاً".

وتشير إلى أنَّ زبائنها من الغزيين تعودوا على الكشك الذي تصنعه، مرجعةً ذلك إلى أنَّها "تعد الكشك بحب"، الأمر الذي يعطي رونقاً خاصاً لأطباقها.

ويتكون كِشِكْ أم فراس من (الطحين، وعين الجرادة الناشفة، والفلفل الأحمر، والملح، واللبن، والثوم، والبصل)، وهي أصناف توضع بمقادير دقيقة، وبعدها تعجن تلك الأصناف، وتظل تحرك الأصناف لأيام عديدة، وعندما يتوقف عن الفوران نتيجة الأحماض، ويميل قوامه إلى اللزوجة، تبدأ مرحلة تكويره، وتصنع منه بعدها أقراصاً دائرية أو مفلطحة أو هرمية، وتترك على قطعة قماشية حتى تجف تلك الأقراص، وبعدها يصبح "الكِشِكُ" جاهزاً للأكل.

"أم فراس" تشير إلى أن الكشك يؤكل مع العديد من أصناف الطعام الأخرى، فيؤكل مع "القرصة" –اكل تراثية منتشرة في خانيونس ورفح-، ويؤكل مع السلطات، والأرز، واللحوم المسلوقة، والشوربات الساخنة، موضحة إلى انَّ موسم طبخ الكشك يشتد في بداية الربيع، لتوافر بعض أصناف الطعام الذي يخلط معه مثل عجر البطيخ الذي يستخدم في أكلة "القرصة" التراثية.

"الكِشِك" ليس مكانه فقط موائد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، بل إنه يسافر إلى دولٍ عديدةٍ، إذ أنَّ بعض المسافرين الغزيين ينقلونه إلى أهليهم في الدول العربية والاوربية؛ كونه يمثل "رائحة البلاد"، ويعتبر المغتربون هدية "الكشك" من أجمل الهدايا التي يحصلون عليها.

وعلى الرغم سعر الكشك الزهيد –يبلغ سعر الكيلو 8 شواكل (2 دولار تقريباً)- إلا أنَّ "لعنة الأوضاع الاقتصادية" أثرت سلباً على كشك "أم فراس"، إذ تشير إلى أنَّ بيعها تضرر نتيجة الأوضاع الاقتصادية في غزة، فأصبحت الناس لا تقوى على شراء الاكل التي يفضلونها.

والكشك ذو قيمة غذائية عالية لاحتوائه على بروتينات موجودة في اللبن والقمح، تساعد على نمو خلايا الجسم وخصوصاً العضلات، ويعمل على نمو العظام عند الأطفال وعدم هشاشته عند الكبار لاحتوائه على الكالسيوم الموجود في اللبن، إلى ذلك يضم الكشك الألياف الموجودة في حبوب القمح، بالإضافة إلى الأملاح المعدنية التي تشكل عنصراً مهماً في تنظيم عمل الجهاز العصبي.
المصدر: فلسطين اليوم
تاريخ الاضافة: 07-03-2019
طباعة