لجوء بعد لجوء.. فلسطينيون يواجهون النكبة مرتين شهداء ومعتقلون ومفقودون ومعذَّبون


بيروت-غزة/ نبيل سنونو:
1948م، قرية لوبيا قضاء طبريا في فلسطين، جد محمود الشهابي تهجره العصابات الصهيونية من ملكه فيها بقوة السلاح. 2012م، الشهابي يغادر مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، نتيجة صراع دام لا ناقة له فيه ولا جمل، متجهًا إلى لبنان.
كان تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، نصف مليون لاجئ، ويتوزعون على ست محافظات، إلا أن الكتلة الأكبر من اللاجئين تواجدت في دمشق وتحديدا في مخيم اليرموك، لكن تحولات وتغييرات جذرية طرأت بعد اندلاع الأحداث في البلاد سنة 2011.
يعود الشهابي بالذاكرة إلى الخلف، عندما هجرت العصابات الصهيونية جده من قريته سنة 1948م، فاضطر إلى التوجه إلى مدينة درعا في سوريا، التي كانت من أهم الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون بعيد النكبة، إذ قدرت أعداد الذين وصلوا منهم إلى البلاد آنذاك بـ85 ألف لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكان الجزء الشمالي من فلسطين، وخاصة صفد وحيفا ويافا.
"تفرق اللاجئون الذين وصلوا سوريا، منهم ذهب إلى مخيم اليرموك، وآخرون إلى مخيم حمص، وهكذا"؛ يقول لصحيفة "فلسطين".
ومن هؤلاء اللاجئين من تزوج وأنجب، وكان نصيب الشهابي الحفيد أن يكون في مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، الذي عمّره اللاجئون الفلسطينيون شيئا فشيئا.
في 2012، "ولعت المناطق من حولنا في أحياء القدم والتضامن والحجر الأسود"، بهذه الكلمات يصف الشهابي شيئا من الأخطار التي حدقت بالمخيم، وكانت من أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها.
كان يقيم في مخيم اليرموك نحو 144 ألفًا وفق تقديرات "أونروا"، غادر معظمهم.
تعرض المخيم للقصف والاعتداء، وبينما تشتت اللاجئون فيه كل في مكان، بقي الشهابي في جامع عبد القادر الحسيني في المخيم، لكنه قصف أيضًا، ما أودى بحياة 250 شخصا، واضطر العائلات في محيط المسجد إلى مغادرة المخيم.
من هؤلاء من هاجر عبر البحر وعاش مأساة كبيرة وكارثة نتيجة الغرق في عرض البحر الأبيض المتوسط، ومنهم من سلك طرقا أخرى. "لا يمكن تصور معدل القصف! لقد كان 30 قذيفة في الدقيقة الواحدة"، يضيف الشهابي.
"المخيم كان بالمنتصف.. هذا يضرب وهذا يضرب"، يبين بذلك كيف كان "اليرموك" ساحة للصراع الذي لا علاقة للاجئين به من قريب أو بعيد.
استشهدت خالة الشهابي، وكثير من رفقائه، وأولاد عمه، نتيجة لهذه الاعتداءات على مخيم اليرموك، التي تنوعت بين قصف، وتصفية ميدانية، وغير ذلك.
يتابع: "بعدما ضربوا الجامع، بدا المخيم كمدينة أشباح"، ما اضطره إلى اتخاذ قرار بالمغادرة إلى لبنان، التي انتقل إليها إبان النكبة، ما يعادل 10% من المجموع العام للاجئين الفلسطينيين. وفي 2017 أظهرت إحصائية لدائرة الإحصاء المركزي اللبناني، أن عدد اللاجئين في المخيمات والتجمعات بلغ 174.422 فردا خلال العام المذكور.
آنذاك كان من الممكن تقديم طلب "للهجرة والجوازات" لإعطاء موافقة على المغادرة، لكن ثمة قيود تم فرضها على وصول اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، منذ 2015، بحسب الشهابي.
يتواجد هذا اللاجئ الآن في لبنان وقد دخلها بطريقة اعتيادية. وهو يحذر في الوقت نفسه من أن بعض اللاجئين الذين اضطروا للمغادرة عبر البحر، كانوا ضحايا لـ"تجار المافيات".
وعائلة الشهابي ليست الوحيدة التي لجأت مرتين، أيضا اضطرت عائلة وسيم وني الفلسطينية إلى الخروج من مخيم اليرموك في 12 يونيو/حزيران 2012، تحت وطأة الاعتداءات.
أن تجد نفسك غريبًا
"وني" متزوج، ولديه ولد وبنت، غادر إلى لبنان عبر الحدود مع سوريا "في ظروف سيئة جدا"
– كما يقول لصحيفة "فلسطين"- حيث وجد نفسه غريبا هناك.
ولا يزال والده مفقودا، بيد أن نبأ وصله بأنه تعرض للقتل في 2012. و"وني" هو من أوائل المهجرين من مخيم اليرموك.
"انتقلت من بيئة إلى أخرى يختلف فيها كل شيء"، يضيف وني، ولا شيء يسعفه سوى وجود لاجئين فلسطينيين يشاركونه تحديات الحياة، وأن عائلة زوجته فلسطينية توجد في لبنان.
لجأ "وني" ابتداء إلى بيت حماه، وكان "الوضع النفسي صعبا، تركت سوريا وجئت إلى بلد أخرى".
وينحدر هذا اللاجئ من شفا عمرو، قضاء حيفا، حيث اضطر جده وجدته إلى الخروج منها قسرا على يد العصابات الصهيونية في 1948.
"شعور صعب جدا أن تعيش النكبة مرة ثانية، إن كان تهجيرنا من أرضنا في فلسطين أو انتقالنا للشتات"، يقول "وني"، لكنه لا يزال يتمسك بالعودة إلى أرضه الأصلية في فلسطين، كغاية ثابتة لا تتزحزح.
رغم صعوبة الأوضاع التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون أصلا في لبنان، عدا عن القادمين من مخيمات اللجوء في سوريا، اتخذ وني قرارا بالحياة، فدرس الماجستير، والدكتوراه في الإدارة، "لأن سلاحنا العلم".
أما غايته فهي العودة إلى دياره المحتلة؛ فلسطين.
ويواجه اللاجئون في لبنان مصاعب في الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، كالعمل والتملك والاستشفاء والتعليم وتشكيل المؤسسات وغيرها من الحقوق.
وغير مرة، تعرض الوزير اللبناني جبران باسيل للاجئين الفلسطينيين، ففي 2012 اعتبر أن اللاجئين الفلسطينيين من سوريا "يأخذون مكان اللبنانيين"؛ ما دفعه إلى "الحض على بحث ترحيلهم إلى دول الجوار مثل الأردن وتركيا والشطر التركي من قبرص"، وفي 2018 دعا "أونروا" إلى شطب أي لاجئ فلسطين يغادر لبنان أو يستحصل على جنسية بلد آخر من سجلاتها.
ويأتي ذلك وسط حملة شعواء تشنها الولايات المتحدة و(إسرائيل) على قضية اللاجئين الفلسطينيين. وقررت الأولى في 16 يناير/كانون الثاني 2018، تخفيض مساعداتها لـ"أونروا" إلى النصف، من 125 مليون دولار إلى 65 مليون دولار من الموازنة العامة لعام 2018، وذلك في ظل عجز مالي بلغ نحو 49 مليون دولار، خرجت به الوكالة من عام 2017.
الظرف الذي يمر به اللاجئون "مؤسف جدا" كما يصفه اللاجئ الفلسطيني من سوريا إلى لبنان، محمود الذي طلب عدم كشف اسم عائلته، على عتبة الذكرى الـ70 لنكبة الشعب الفلسطيني في 15 مايو/أيار، عندما دمرت العصابات الصهيونية 530 قرية، بأكثر من 30 مجزرة موثقة، ورحّلت أكثر من 800 ألف فلسطيني عن أراضيهم سنة 1948.
وفي هذه الفترة يعيش هذا اللاجئ ما يصفه "نكبة أخرى"، مشيرا إلى أن لاجئين فلسطينيين لجأوا من سوريا إلى الأردن وتركيا وغيرهما.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "هؤلاء يعيشون ظروفا صعبة تحديدا في الأردن ولبنان تكاد تكون الظروف الأسوأ بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي"، مبينا أن "الوضع القانوني" للاجئين الفلسطينيين في لبنان أحد المشكلات، وما يتعلق بعدم السماح لهم بالعمل في كثير من المهن.
ويفيد بأن القوانين اللبنانية تتعامل مع اللاجئ الفلسطيني القادم من سوريا "على أنه سائح"؛ وفق وصفه.
وكان محمود يقطن في مخيم الحسينية أقصى جنوب شرق مدينة دمشق، الذي جرت فيه مواجهات عسكرية لا علاقة للاجئين الفلسطينيين بها، ما أدى إلى نزوح تدريجي لسكانه، وبعد فترة عاد بعضهم ومازال الآخرون مهجرين بسبب الأوضاع الأمنية.
سنة 2013 اختار هذا اللاجئ (40 عاما) –من قرية صفصاف قضاء صفد- التوجه إلى لبنان برفقة أطفاله.
"آنذاك كان الطريق إلى لبنان سهلا، لكن بعد منتصف 2015 القوانين اللبنانية تغيرت ولم يعد بإمكان اللاجئ الفلسطيني من سوريا الدخول إلى لبنان (بسهولة) ومن يغادر لا يستطيع العودة"؛ وفق إفادة "محمود".
ويوجد في لبنان نحو 12 مخيما فلسطينيا هي: المية مية، والبص، وبرج الشمالي، والرشيدية، وشاتيلا، ومار إلياس، وبرج البراجنة، وعين الحلوة، ونهر البارد، والبداوي، ويفل، وضبية.
وإلى جانب المخيمات الرسمية المتبقية توجد تجمعات سكنية منتشرة في عدد من المدن اللبنانية كالبقاع وبيروت وجبل لبنان وصيدا وصور.
ويقطن "محمود" حاليا في منطقة البقاع، التي يقول إن فيها ما يتراوح بين سبعة آلاف وثمانية آلاف لاجئ فلسطيني.
ورغم أنه "خريج معهد هندسة كهرباء" فإنه لا يجد عملا، ما يعني أنه يعيش فصولا من المعاناة في توفير متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة.
وفضلا عن ذلك، تراوده صور ثلاث شهداء و15 معتقلا من أقربائه الذين كانوا في سوريا، وكانوا ضحايا لا صراع لا علاقة لهم به.
لا استقرار ينعم به هؤلاء اللاجئون في الشتات، يؤكد محمود ذلك قائلا: "أي لاجئ فلسطيني من سوريا في لبنان تتاح له الهجرة لن يتردد، بسبب الواقع المعيشي الذي يمر به".
وذكر مصاعب في مجالات التعليم والوضع القانوني ومستقبل الأطفال، والضمان الصحي، وكونهم يحملون وثيقة فلسطينيي سوريا، لا يوجد أي بلد يستقبلهم ما يضطرهم إلى البحث عن حل ريثما يتمكنون من العودة إلى فلسطين المحتلة.
يقول محمود: "الهجرة هي الحل الأنسب.. ليست سهلة لكنها لو كانت متاحة لن يتردد اللاجئ"، مضيفا أن ثمن الهجرة مكلف.
أما الهجرة بحرا، ففضلا عن مخاطرها تتصدى لها العديد من الدول، ما يجعلها تبوء بالفشل.
رغم كل ذلك، رسالة هذا اللاجئ واضحة بأن ما يمر به اللاجئون مؤقت "فلا تفريط بحق العودة إلى فلسطين، لكن نحن الآن مضطرين لإيجاد حلول على المستوى الإنساني، ريثما تتحقق العودة".
تاريخ الاضافة: 13-06-2018
طباعة