« الشاعر الفلسطيني كمال كامل احمد: رحل بصمت ولم ينل ما يستحقه من تكريم »








الراحل الشاعر الفلسطيني "كمال كامل أحمد" عُرفَ عبر ما يزيد على خمسة عقود بوطنيته، وبحبه لأرضه ووطنه "فلسطين" لأنها جزء من مساحة الوطن العربي الاشمل ولم تغب عن باله بلدته "الدامون" التي هجر منها وهو طفل، ومنذ تلك اللحظات كتب قصائده بحبر ممزوج بالحرقة والالم والعشق للوطن وألم النكبة ومرارة التهجير وظلام ازقة المخيم مع الاحتفاظ بأمل العودة.
في كتابته تجد لكل فكرة معنى ولكل كلمة مغزى وكذلك لكل حرف، فالكل يشكل معانٍ كثيرة ربما تدري منها معنى ولا تدري المعنى الآخر لانها منسوجة في قلب الشاعر وكيانه.
قصائده الوطنية والقومية تجذبك لتحفظها عن ظهر قلب وتحاول ترديدها يومياً كما تردد النشيد الوطني :
"عكـا، وإنْ طالَ ابتعادْ
وأَحلَّ في عيني السهادْ
فأنا لثأْري لم أزلْ
أحيا وحقدي في أزديادْ
قسماً ، وما حنت يدي
الا لدغدغة الزنادْ
بلدي الحبيب ،وفي دمي
حبٌ،وللحب أمتداد".

في كلماته ينحت القصيدة في أجمل حلّة وبأروع الكلمات والمفردات القريبة للسمع والقلب فتلفت النظر الى حضورها وجاذبيتها.
وأنتَ تقرأُ للشاعر في المساء تعتقد أن أول قصيدة في ديوانه ستكون آخر قصيدة قبل نومك وسرعان ما تجد نفسك وقد قرأت القصيدة الاخيرة نظراً لسلاسة القصائد ومعانيها العميقة الساحرة وتعابيرها الخلاقة.
ومن خلال دواوينه الاربعة عشرة تتعرف على المدن والقرى الفلسطينية المحتلة وتشرب من بحيرة طبريا وترسو في ميناء حيفا وتنتقل بعدها الى قبور الشهداء والمروج الخضراء ومخيمات اللجوء فيكتب عن المجازر التي حلت بشعبنا الفلسطيني:
"طريق الدماء،غداً عودتي
غداً سأعود الى بلدتي
طريق الدماء،وقد جلجلت
جموع تسير وما كلَّتِ
غداًسأعود،فأني مَلَلتُ
بقائي وعيشي في الخيمةِ
ولما كبرت ،رأيتُ حياتيَ
هباءً، ولم أدرِ ما غايتي"

هاجس العودة ظل مرافقاً للشاعر حتى فارق الحياة وهو يحلم بعودة ظافرة الى مرتع الخصب فلسطين الى ارض "الآباء والاجداد ليس لوحدة بل مع الابناء والأحفاد
"سنعود، يا وطني اليك
مع الصباحِ الباسم
سنعود لسطح المطَل
على الغدير الحالمِ
سنعود للتّل الملفح
بالغمام القائم
للصحو..للفجر المَزركش
بالعبير الفاغم"

أما عن مرارة اللجوء وقسوته وعذاباته ومعانيه المؤلمة فيقول:-
سنظل-نحن اللاجئين-
نقاوم الموت المداهم..
لن تزول..
إنا ولدنا رغم كل الموتِ نَحيّا
نحن الفٌ مستحيل!"

من خلال هذه القراءات لدواوين الشاعر الاديب ونظراً لتشوقي لأن اعرف أكثر عن الشاعر وحياته وتجاربه الخاصة بشكل عام ومع اصدقائه بشكل خاص، كان لي هذا اللقاء مع صديقه الاستاذ محمد حسين موسى:

-حدثني لو سمحت عن أول لقاء لك مع الشاعر الراحل "كمال كامل أحمد"، كيف كان هذا اللقاء؟ وكيف بدأت العلاقة تتطور وما هي الصلات التي تربطك بالشاعر؟
ما يجعلني أرتبط بفكر الشاعر وبه شخصياً أربع صلات:-
أولاً:لأنه كان معلمي منذ عام 1963 حيث شاهدته للمرة الاولى.
ثانياً:إنه كان جارٌ لي في السكن منذ السبعينات1975.
ثالثاً:الشاعر زميل لي حيث كان مديراً لمدرسة النصورة وأنا عملت فترة 20عاماً مديراً لعدة مدارس في صور.
رابعاً:هذه الثلاث صلات المذكورة ولدّت صداقة متينة وعلاقة حميمة بعيدة عن السطحية لم تنقطع للحظة واحدة حيث كنت أزوره وأتواصل معه باستمرار ونقرأ شعرهُ سوياً أنا بصوت مرتفع وهو يعيد بصوت هادئ ما أقرأ مستمتعاً بما كتب عدا عن أنهُ كان مرجعاً لي ولغيري في اللغة العربية وقواعدها وآدابها.

-ماذا يعني لك الشاعر؟
أقولها بصدق منذ يوم رحيله أُحس أنني فقدت شيئاً عزيزاً عليّ وأحاول الاستدلال على مرجع لي غيره فلا أجد.من هنا فهو يعني لي "الاستاذ المعلم والجار والزميل والصديق"الذي أخذت عنه الكثير في حياتي الشخصية والاجتماعية والتعليمية والادارية.

-"أذكروا محاسن موتاكم.."حدثني لو تكرمت عن المزايا الايجابية للشاعر؟
كان الشاعر يعيش المعاناة الانسانية للانسان الفلسطيني المقاوم بشتى عذاباته وكانت هاجسه الاكبر حيث يعيش بعيد عن الوطن فهو "كريم،خلوق ،مُجد، عصامي، إجتماعي، إنساني، مسامح ، نديم، دمث،لايعرف الحقد ولا يوافق عليه مهما كانت الاسباب بأختصار"انسان بكل ما في الكلمة من معنى".
كان رحمه الله أديبنا، معلمنا ومربينا لفترة طويلة وللآلاف من طلابه الذين لازالوا يذكرونه ويرددون قصائده الوطنية والقومية فهو "وطني، قومي، إنساني".
ولا زلنا نردد قولهُ:
أنا بعربي ّ لستُ أرض
الضيمَ أو عيش العبيد
ياقدسُ قد عاد الرفاق
يجلجلون..الى النجود
سنعود رغم مكائِد
الانذال،ياأرضَ الجدودٍ.

-هل لديك فكرة انْ كان الشاعر يشارك بمسابقات ومهرجانات؟
بكل تأكيد فكثير من الاوقات كنت برفقته، نعم لقد كان الشاعر يشارك في العديد من المسابقات الشعرية بمناسبات وطنية كثيرة على صعيد الوطن العربي وكانت قصائده تحوز على الاولوية حيث كان في طليعة مسابقات الشعر وحاز على عدة جوائز تكريمية.

-بما أنك كنت مقرب جداً من الشاعر،عبر هذه السنوات "هل كُرّم الشاعر"؟
بأعتقادي ان "شاعرنا الفذ رحل دون أن ينال التكريم الذي يستحق" رغم تكريمه عدة مرات اخرها من قبَل:
. بلدية برج الشمالي.
. منتدى الفكر والادب.
. حركة فتح و منظمة التحريرالفلسطينية.

-"الموت حق"ولكنِ ما قدْر الخسارة برحيل الشاعر بالنسبة لك ولقرائه وأصدقائه؟
لقد قال البارئ في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
"قُلْ لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاَ الا ما شاءَ الله لكل أمةٍ أجلٌ إذا جاء أجلُهمُ فلا يستأخرونَ ساعة ولا يستقدمون"
رحم الله شاعرنا وأدخله فسيح جنانه ،فهو فعلاً ممن ترك بعد وفاته أثراً مؤلماً لأصدقائه ومريديه وطلابه وعزاؤنا هو عِشْرة الحياة بعلاقتها وأندماجها التعليمي والفكري وبكتابته ودواوينه التي ستبقى مرجعاً أساسياً ومهماًفي حياتنا الثقافية.

-أية فكرة عندك عن كيفية قرض الشعر والالهام في كتابة الشاعر؟
عندما يقرض"أبو نزار" الشعر كان يتلقف المناسبات الشعرية دون تكلف وفي أية لحظة،ويعكس الومضة الصغيرة التي لا يراها الانسان العادي فيجسدها قصيدة رائعة متكاملة بنظم حرفي مختص، وبحس مرهف شفاف، فهو لا يتكلف القول في شعره السلس ،بل يأتيك بعفوية لغوية مترافقة مع الحكمة المستخلصة في جو من الشاعرية ليريك الحياة كما هي دون تصنع،حيث الطبيعة الجميلة ،والمعاناة اليومية،والعلاقات الانسانية،بكل صراعاتها،وتناقضها،وتجلياتها، فغالباً ما تتداخل في شعره سيرة الانسان الذاتية مع سيرة الوطن المغتصب والشعب المشرد.فمعظم أشعاره نابعة من ذاته وإحساسه بالأنتماء للوطن، وللحقيقة وللانسان
.
-كلمة أخيرة
كلمتي الاخيرة أتقدم بها بالعزاء الحار الى أسرة الشاعر العزيز واصدقائه وطلابه ومريديه ومحبيه وزملائه وقرائه، ففكر الشاعر كمال كامل أحمد سيظل مشرقاً مع كل اشراقة شمس، وكلماته ستبقى نابضة عبر"دروب النضال"و "العاصفة"و "مينا والسفر الى الدامون" و"أقمار فردانا" وعبر نثرياتهِ التي اينعت أزهاراً ناضرة. شكراً لكل العاملين بمجلة وموقع "يا صور" الذي نفخر به دائماً ونتابعه بأستمرار وأصبح شيئاً من حياتنا اليومية أنت يا أحمد من الاشخاص الجادين واللّماحين الساعين وراء النجاح والتميز شكراً لك مع تمياني لك بالتوفيق والنجاح وأن تصل المكان والمكانة التي تريد بأذن الله.

المصدر: أحمد محسن – موقع ياصور


» تاريخ النشر: 19-11-2011
» تاريخ الحفظ:
» رابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان
.:: http://palteachers.com/ ::.