حين تذبل الزهور و نصبح بدون عبير



حين تذبل الزهور في عمر الزهور، حين تموت ابنة التسعة أعوام هما و كمدا و قهرا، فإن الحدث حتما ليس عابرا بل هو حادث إستثنائي و إن عرف السبب فقد نراه مؤلما حد القهر و اللوعة. إستشهدت الطفلة عبير يوسف السكافي (9 أعوام) متأثرة بصدمة عصبية أصيبت بها إثر منعها من معانقة والدها يوسف السكافي المحكوم بالسجن أربعة مؤبدات، ومنعها أفراد مصلحة سجون الاحتلال من الدخول لمعانقته في غرفة الزيارة. الطفلة قضت بعد صراع مع الألم و الحسرة و القهر بعد عدة أسابيع من الزيارة.



قد لا يعلم الجميع و خاصة من يعيشون بحرية و أمان بأن الإعتقال في سجون الصهاينة (و غيرهم) إنما هو قتل و اغتيال يومي، ليس فقط لآدمية المعتقل نفسه، و لكن لمشاعر و إنسانية أمه و زوجته و أولاده و إخوانه و أخواته. لا يعرف ذاك الشعور بالحسرة و اللوعة الذي يشعر به أبناء و أمهات المعتقلين كلما شاهدوا صورهم فوق الجدران إلا من ذاق حرمان السجون لأحد غواليه.. كان لي يوما ما أخ معتقل، كان لي رفيقا و أخا و أبا روحيا، و شاء الله أن تعتقله يهود في سجونهم، أذكر يوما استيقظت من النوم فشاهدت قميصه معلقا على حبل الغسيل، فقد اعتادت أمي أن تغسل ملابسه المطوية في الخزانة، لا أدري لماذا! و ما أن رأيت قميصه حتى ظننت أنه قد عاد، و كأني كنت أحلم به، فسألت أمي متلهفا : عاد أخي؟؟ فنظرت لي بوجهها المبلل بالدمع و قالت إن شاء الله! جلست يومها أرضا و أخفيت وجهي بكلتا يداي و بكيت بكاءً مراً بنحيب و ربما كاد أن يغمى علي. رأيت إبن أختي و قد بدأ ينادي أخواله بلقب بابا خلال وجود أبيه في السجن، و غير ذلك من تجارب شخصية.



حين تموت عبير قهرا لعدم تمكنها من عناق والدها فإن هذا الحدث الجلل يضع في أعناقنا أمانة و مسئولية حرية الأسرى من السجون. فخروج الأسرى من السجون يجب أن يكون على رأس سلم الأولويات لكل قائد حر لهذا الشعب. فالشهيدة عبير السكافي، حين استشهدت، قامت بتوصيل رسالة بروحها لنا، تنبئنا عن حال أبناء و بنات الأسرى، و تخبرنا بأن آلاف الشهيدات و الشهداء، مع وقف التنفيذ، لا زالوا ينتظرون كل يوم و ليلة أنباء و أخبار الإفراج عن آبائهم و أمهاتهم من السجون. هؤلاء الأسرى التي ما أفلحت آلاف الساعات من المفاوضات الخلاقة بين سلطة فتح و يهود على إخراج واحد منهم لا سيما المحكومينبقضايا أمنية و بالمؤبدات، فقد باتوا نسيا منسيا لدى فتح و سلطتها و رئيسها. و لأنهم بعد الله لهم أمل، فإننا نوجه رسالة باسم عبير لخاطفي شاليط بأن يضعوا نصب أعينهم حرية كل أسير من أسرى الأحكام العالية خاصة نصب أعينهم و في قوائمهم. و نوصيهم بأن تكون مفاوضات صفقة التبادل مع يهود عسيرة على يهود و تخلو من أي لين من طرفهم.



عبير اليوم استطاعت زيارة والدها و عناقه، سافرت إليه طيفا جميلا شأن كل الشهداء بروحها، تملؤ عليه زنزانته أملا و حبا، عبير اليوم تخلصت من لعنة الجسد الذي ما نفذ من مسام الزجاج الذي فصل بينها و بين أبيها، و لكن هناك الآلاف من الأطفال و الأمهات لا زالوا حبيسي الذكرى و صور الجدران و اعتصامات الصليب الأحمر.
يا رحمة الله التي ملأت الأكوان عدلا أنزلي الصبر في قلوب المعتقلين و ذويهم، و تقبلي عبير في الخالدين مع الشهداء و الشهيدات و يسِّري للمقاومة أمر اعتقال المزيد من جنود الصهاينة من أجل إخلاء سجون الموت الصهيونية من أبطالنا و خنساواتنا .
تاريخ الاضافة: 07-05-2011
طباعة