أضواء على تاريخ الحركة الكشفية في فلسطين





تحتفل حركة الكشافة الفلسطينية مطلع العام المقبل بمئوية تأسيسها، الذي كان عام 1912م، أي في العهد العثماني، متقدمة في هذا المجال على الكثير من الدول العربية والعالمية. وقد كان لتعاقب الصراع والمواجهات مع الاحتلالين البريطاني والاستيطاني الصهيوني وما نجم عن تلك المواجهات من نكبة أضاعت الجزء الأكبر من أرض الوطن وهَجَّرت أبناء الشعب العربي الفلسطيني إلى ما بقي من أراضي فلسطين وإلى دول الطوق (سورية ولبنان والأردن ومصر)، كان لتعاقب تلك المواجهات الأثر الكبير في مسار الحركة الكشفية التي تعرضت بدورها للتشتت والاستهداف ، ما عرّض الكثير من أرشيف هذه الحركة كالوثائق التاريخية والصور للنهب والضياع والتلف والتدمير، وخاصة خلال حرب عام 1948م ومن ثمَّ عدوان عام 1967م.
إلا أن الإرهاب الصهيوني، الذي لا ينتهي إلا بزوال الاحتلال، لم يكن يوماً قادراً على سلبنا ذاكرتنا، التي تحتفظ بالكثير من تاريخ الحركة الكشفية في فلسطين.
الإرهاصات الأولى
بدأت الدعوة لتأسيس أول فرقة للكشافة عام 1912م، وقد اهتم الأتراك بالحركة الكشفية، وخاصة بعد نشوب الحرب العالمية الأولى. وفي عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين اهتم ما يعرف بـ(دائرة المعارف العامة) بتأسيس الكشافة في المدارس خصوصاً، لكون مدير المعارف العام مستر «بورمان» هو نفسه مندوب الكشافة العام. فأُسِّست في عام 1918م أول فرقة كشفية بفلسطين في مدرسة سان جورج بالقدس، حملت اسم فرقة (القدس الأولى)، لكن نشاطها توقف بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1913م تأسست ثاني فرقة في مدينة حيفا، وحملت اسم فرقة (القديس لوك بحيفا)، وقد تأسست هذه الفرقة سراً بعد إعلان الحرب على الدولة العثمانية انحلت بوفاة قائدها. ثم أنشئت سنة 1919م فرقة في المدرسة الرشيدية بالقدس حملت اسم فرقة (الرشيدية بالقدس)، وبعد عام نشأت فرقة (روضة المعارف) في القدس أيضاً، ثم تكونت فرقة (كلية النجاح الوطني) في نابلس عام 1921م، وكان من نشاطاتها القيام برحلة من نابلس إلى حيفا مشياً على الأقدام، إذ تقدر المسافة بما يزيد على 110 كم قُطِعت بأربعة أيام وأقيم مخيم على سفح جبل الكرمل أسبوعاً كاملاً.
وفي عام 1922م أقيم مخيم تدريبي لأساتذة المدارس في فلسطين على جبل الزيتون بالقدس بمراقبة الأستاذ شريف النشاشيبي، أحد معلمي مدارس الحكومة، الذي كان قد تلقى دروساً في الكشفية والتخييم في (gel well park) بإنكلترا. ومنذ عام 1923م انتظمت مخيمات تدريب الكشافة سنوياً في مختلف أرجاء فلسطين حتى عام 1948م.
وفي عام 1928م نالت جمعية الكشاف الفلسطيني أول اعتراف عالمي بها، الأمر الذي سهل مشاركة الكثير من قادة الكشافة الفلسطينيين في المخيمات العالمية، وخاصة عامي 1929م في بريطانيا، و1933م في بودابست.
وقد أخذت الحركة الكشفية الفلسطينية تنمو وتتصاعد، حتى قامت الثورة الكبرى، واشتركت الفرق الكشفية في إدارة واجباتها الوطنية، فأخذت الحكومة بمطاردتها ومنعت أعضاءها من الظهور بالملابس الكشفية، فتوقفت أنشطة الحركة الكشفية. والجمعية من بين أكثر الجمعيات انتشاراً على الأراضي الفلسطينية، ومن الجمعيات ذات النشاطات الوطنية البارزة وخاصة أنها استمرت في أعمالها بانتظام حتى عام النكبة حيث اعتُرف بها عضواً في حركة الكشافة العالمي، فكان سرور الكشافة في فلسطين عظيماً بهذا الاعتراف الدولي بهم لأنه يعني انتماءهم إلى أمة مستقلة كسائر الأمم.
أول عرض رياضي كشفي في فلسطين
تشير المصادر التاريخية إلى أنه في يوم 14 تموز عام 1935م استطاعت الحركة الرياضية والكشفية للمرة الأولى أن تُسهم من خلال تنظيم مهرجان رياضي يتضمن عروضاً لفرق الكشافة في فلسطين في أداء دور بارز في مسيرة النضال الوطني ضد مخططات الحركة الصهيونية ومشاريعها، وقد جاء ذلك العرض رداً على مهرجاني «المكابياد» الذين نظمتهما الوكالة اليهودية في شهر نيسان عامي 1932م و1935م، حيث قرر الاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي تأسس عام 1931م بالتنسيق مع مؤتمر الشباب إقامة مهرجان رياضي كشفي على ملعب البصة في مدينة يافا في 14 تموز (أي بعد نحو أربعة أشهر فقط على إقامة «المكابياد الثاني» الذي أقيم في نيسان 1935 في تل الربيع).
وقد قرر الاتحاد أن يكون اللباس الرياضي لكل الفرق المشتركة الأبيض، وأن يرفع كل نادٍ علم ناديه الخاص وعلماً آخر لتعليقه حول الساحة مع أعلام الأندية العربية. وقد اشترك في هذا العرض نحو خمسة آلاف شاب، تنافسوا في العدو والوثب وتباروا في ألعاب القوى ،وشاركت (بأعلامها وموسيقاها) عدد من الفرق الكشفية والرياضية ،وأعربت الصحف العبرية عن تخوفها بعد نجاح المهرجان ، حيث وصفت محاولة تنظيمه بأنها «تنظيم لحركة شباب قوية من مختلف المدن والقرى الفلسطينية».
جمعية الكشاف العربي الفلسطيني
أعاد الاتحاد الرياضي الفلسطيني عام 1945م تنظيم صفوفه وهيكلته، وكان أول اهتماماته التي سعى إليها اتخاذ قرار بإحياء الحركة الكشفية الفلسطينية من جديد حيث عقدت اللجنة التنفيذية للاتحاد مؤتمراً عاماً في القدس بتاريخ 15/7/1945م لقادة الحركة الكشفية الذين اجتمعوا واتخذوا قراراً بتأسيس جمعية الكشاف العربي الفلسطيني وانتخبوا الرئيس العام فوزي محيي الدين النشاشيبي، وهو أحد القادة الذين رافقوا الحركة الكشفية منذ بدايتها وعملوا فيها منذ عام 1919م، وحاز العديد من الأوسمة، وألف كذلك الكتب العديدة عن الكشافة وأنظمتها وأعمالها ورسائلها، وجرى انتخاب مفتشي الألوية الستة.
وقد استطاعت الكشافة الفلسطينية توحيد صفوفها من جديد في 186 وحدة كشفية تضم أكثر من عشرة آلاف كشاف.
ولم تخف حكومة الاحتلال البريطاني مخاوفها من قدرة القائمين على هذه الجمعية على تنظيم صفوفهم، وباتت تخشى من هؤلاء الشبان الفتية المنتشرين بالآلاف والمتدربين على النظام والتعاون والانضباط، ولا سيما أن الكثير من المناضلين الأشداء المدربين شاركوا في ثورة الـ36، وكان لقادتها وعناصرها دور واضح وملموس حيث عُدَّت قوى الكشافة النواة الأولى للجيش الفلسطيني في ذلك الوقت. وقد كان هذا أهم سبب لرفض السلطات البريطانية الاعتراف بالجمعية طوال الفترة الأولى من حياتها قبل الحرب العالمية الثانية. ورغم أنها نالت الاعتراف الرسمي من المكتب الكشفي العالمي عام 1945م، إلا أنَّ ذلك لم يدم عدة أشهر، حيث سحب هذا الاعتراف رسمياً في العام نفسه، عقب الحرب. ولمَّا أعيد تنظيم الجمعية أواخر فترة الحرب عاد رؤساؤها إلى الضغط المتواصل على سلطة الاحتلال وعلى الجامعة العربية وعلى جمعية الكشاف العربية وجمعية الكشاف في لندن والكشافة الدولية، وبعد عام من الضغط المتواصل اعتُرف بها عضواً في حركة الكشافة العالمية في المكتب الدولي، وكانت القاعدة من هذا الاعتراف الرسمي هو عدم الخوف من التعرض للمطاردة من الحكومة والمنع من إقامة العروض والظهور بالزي الرسمي.
واستمرت الحركة في تطور متصاعد حتى نشوب حرب فلسطين عام 1948م، ما أدى إلى توقف الجمعية عن ممارسة أي أنشطة لفترة طويلة من الزمن، إلى أن عادت عام 1964م للنشاط إثر انضمام فرق الكشافة في الضفة الغربية لجمعية الكشاف الأردني. أما في قطاع غزة فقد أصدر الحاكم العام المصري قراراً يقضي بتأسيس الهيئة العامة الفلسطينية للكشافة والمرشدات، وهي بمثابة امتداد لجمعية الكشاف العربي الفلسطيني.
وأسهمت الحركة الكشفية بعد حرب عام 1948م في أغلب المخيمات والمؤتمرات الكشفية العربية ولم تنقطع مشاركتها في الأنشطة التي تعقدها المنظمة الكشفية العربية منذإنشائها وحتى الآن، وقد سجلت عربياً عام 1956م.
العمل الكشفي بعد عدوان 67
وبعد عدوان 1967م وسقوط ما بقي من أراضي فلسطين بيد العدو الصهيوني، اندمج العمل الكشفي في الضفة الغربية ضمن إطار العمل الكشفي الأردني وتحت رعاية الكشافة الأردنية وانتشرت المجموعات الكشفية في معظم مدن الضفة الغربية وقراها بشكل ملحوظ وبقيت الحركة الكشفية فاعلة ولم تتأثر بل على العكس من ذلك، حيث ازدهرت أكثر فأكثر. وفي عام 1983م تم تأسيس اتحاد الحركة الكشفية الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة، وانضمت إليه معظم المجموعات الكشفية وانتُخب المجلس الكشفي الأعلى الأول.
وبقي الاتحاد يعمل حتى عام 1993م. وإثر المسيرة السياسية أُصدرت وثيقة التحويل والاندماج في إطار جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية التي أنشئت خارج الوطن وأخذت تتابع تطورات الحركة الكشفية وواصلت نضالاتها من أجل قبول فلسطين عضواً دائماً يتمتع بكامل العضوية والحقوق في المنظمة العالمية للحركة الكشفية.
وكذلك هو الأمر في قطاع غزة، حيث عملت قوات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967م على شل الحركة الكشفية هناك ومنعتها من القيام بنشاطاتها ومزاولتها وطاردت أعضاءها، ما أدى إلى توقف الحياة الكشفية هناك توقفاً نهائياً حتى عام 1993 حيث بدأ الشباب المعنيون بالعمل على إعادة إحيائها من جديد، وكان لهم ما أرادوا، حيث تنشط اليوم في القطاع عشرات الفرق الكشفية.
وفي سورية عمل الفلسطينيون من خلال كشاف سورية، أما في لبنان فقد أسس الفلسطينيون جمعية الكشاف العربي الفلسطيني. وكما هو مقرر، فإن الاحتفالات بمئوية الحركة الكشفية الفلسطينية بداية العام المقبل ستبدأ بإشعال الشعلة من لبنان.

تاريخ الاضافة: 07-04-2011
طباعة