.

عرض مقابلة :سنديانـة الشعر الفلسطيني.. عبد الكريم الكرمي / أبو سلمى /

  الصفحة الرئيسية » ركن المقابلات

سنديانـة الشعر الفلسطيني.. عبد الكريم الكرمي / أبو سلمى /



بقلم: محمود مفلح
الكتابة عن شاعر كبير من طراز أبي سلمى لا تخلو من متعة, رغم أن الذين تناولوا شعره كثير, (فأبو سلمى) تاريخياً وواقعياً هو شاعر فلسطين الأول منذ مطلع القرن العشرين مع صديقه ورفيق دربه (إبراهيم طوقان) الذي عاجله الموت وهو في ريعان شبابه على إثر قرحة معدية نازفة. كدّرت عليه حياته وجعلته يقول:

من طبيب إلى طبيب /فقبحاً/ لحياةٍ على الأطباء وقف!
ربما كان هناك عدد من شعراء فلسطين في زمن أبي سلمى لم نعرف عنهم الكثير, لأن فلسطين بجغرافيتها الرائعة وتاريخها المأساوي لا بد وأن تنجب الشعراء – إلا أن شاعرية هذا الشاب المحامي المثقف المتوقدة غطت على هؤلاء!. وبقي حتى لحظاته الأخيرة "سنديانة" فلسطين لاذ إلى أغصانها أكثر الشعراء الفلسطينيين.

ومن مدرسة "أبي سلمى" تخرجوا، وعلى الطاولة التي تركها في مكتبه في يافا كتبوا قصائدهم ومنهم محمود درويش /سميح القاسم/ توفيق زياد/ راشد حسين وسواهم.

وقد حمل هذا الشاعر الكبير راية النضال الفلسطيني منذ عام 1935 م فقال ممجداً الشهيد الذي سقط على جبل المكبر: وهـو الجبل الذي كبر عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قبل دخوله القدس قائلاً:

قم يا شهيد القوم واخطب في الورى أصبحت حياً مذ غدوت قتيلا

جبل (المكبر) طال نومك فانتبه قم واسمع التكبير والتهليلا

فكأنما الفاروق دوى صوته فجلا لنا الدنيا وهز الجبلا

وكان الشاعر يتسلح بوعي سياسي ووطني منذ يفاعته وساءه أن يرى في فلسطين في بداية القرن العشرين أحزاباً متناحرة وكلها تدّعي أنها تسعى لمصلحة الوطن:

انتدابان يحرقان فلسطين وأربت عليهم الأحزاب

مزقوا قلبها وهدوا قواها ويقولون في البلاد شباب !

امسحوا الكرب عن جباهكم السود فقد عفر الجباه التراب

أما قصيدته التي قالها في ثورة الشعب الفلسطيني عام 1936 فهي من أكثر قصائده شيوعاً، وما زالت تتوهج شعرياً إلى يومنا هذا وفيها يقول:

انشر على لهب القصيد شكوى العبيد إلى العبيد

سحقاً لمن لا يعرفون سوى التعلل بالوعود

وأذلهم وعد اليهود ولا أذل من اليهود

وهذه القصيدة تنبئ عن جرأة الشاعر وشدة انتقاده للزعماء آنذاك وفيهم يقول:

" وأبو طلال " في ربى عمان يحلم بالحدود

اقعد فلست أخا العلى والمجد وانعم بالقعود

عرج على اليمن السعيد وليس باليمن السعيد

واذكر إماماً لا يزال يعيش في دنيا " ثمود "!

تغنى الحياة وقومه ما بين " قات " أو هجود

إلى أن يقول:

واهبط إلى مصر الملوك وقل لها يا مصر ميدي

يا مصر ضيعت المنى بين الفريدة والفريد

ويقصد الملك فاروق عندما تزوج الملكة فريدة.

وتنتهي هذه الصرخة الجريئة المجلجلة بقوله للملوك العرب

إيه ملوك العرب لا كنتم ملوكاً في الوجود

قوموا اسعوا القسام يشرق نوره فوق الصرود

ألا تشعر عزيزي القارئ ان القصيدة هذه قيلت اليوم وليس قبل ثمانين عاماً تقريباً ؟ ثم ألا تشير هذه القصيدة بشكل واضح أن سرطان التقاعس والخذلان وربما الخيانة كان مستشرباً منذ ذلك التاريخ ؟ إلا أن الفرق بين اليوم والأمس هو أن شاعر اليوم لا يملك الجرأة نفسها الذي كان يملكها شاعر الأمس هو في نقد الواقع السياسي وفضحه. !

أما قصائد شاعرنا الكبير في رثاء صديق عمره ورفيق دربه الشاعر إبراهيم طوقان فهي من أصدق الشعر وأنبله فلا أقل من أن يقول له (يا أخي) في قصيدة على البحر الخفيف تحمل زفرات الشاعر ولوعته:

كيف أبكي وكيف يبكي قصيدي ومضى اليوم طارفي وتليدي ؟

أين تمضي ؟ لمن تركت القوافي والمروءات خافقات البنود ؟

أنت من علم الطيور غناء ما عهدناك صامتاً في الحشود !

كان ذلك عام 1942 حيث رحل إبراهيم طوقان إلى جوار ربه

إن حرارة مثل هذا الشعر وتفجعه يغنيك عن البحث عن المحسنات البديعية التي يبحث عنها النقاد اليوم، فشدة الانفعال وحرارة التجربة وطزاجة المفردات كلها تؤلف سيمفونية الحزن، وقد ازدحمت في هذا النص أساليب الاستفهام والتعجب والتمني والنداء وغيرها لترسم لوحة الأسى الذي يعتلج به قلب الشاعر...

ورغم أن قصائد رثاء إبراهيم طوقان كثيرة في ديوان أبي سلمى إلا أن الهم الوطني هو الذي يصبغ أكثر شعره. متأرجحاً بين التحريض على الثورة والنقد اللاذع للمتقاعسين وهذا ما تعبر عنه قصيدته الصاخبة التي يقول فيها:

سيروا على وضح النهار فالحق من نور ونار

يا أيها الشعب النبيل أمنت من شر العثار

قرر مصيرك أنت لا من لا يبصمون على القرار

وكأني بالشاعر وهو يستخدم لفظة " يبصمون " لا يعنى كثيراً في فصاحة الكلمة وقاموسيتها مادامت تؤدي الغرض المطلوب حتى وإن كانت أقرب إلى العامية.

" فأبو سلمى " شاعر قضية.. يجد نفسه بين الشعب وفي أحضانه ويرق له كثيراً أن يرضى هذا الشعب عما يقول.. وأن ينطق بلسانه على عكس شعراء اليوم الذين يقطعون حبال التواصل مع قرائهم بحجة الحداثة وسواها !! حتى انفض القراء عنهم وبدت المدرجات خالية من الجمهور..!!

صحيح أن هذا الشعر شعر منبري وحماسي ذو نبرة خطابية عالية ولكننا لا ننسى أنه يتوقد عاطفة ويرقص إيقاعاَ ويحقق جماهيرية واسعة فهو ابن مرحلته حيث كان الوزن والقافية وحرارة الموقف وصدق الإحساس وبساطة العبارة... كل هذا يكفي لكتابة قصيدة ناجحة فالقضية أولاً، والجمال الفني في النص يأتي بعد ذلك وهذا يذكرني بمقولة " فلتذهب كل أشكال التعبير إلى الجحيم، مادام عقل أمتي في خطر " هذا منهج الشاعر وتلك رؤيته للشعر.

ولا يخفي أبو سلمى في بعض قصائده انتماءه السياسي وأنه يميل إلى اليسار الفلسطيني أي إلى الحزب الشيوعي آنذاك، والقصيدة التي ألقاها في مؤتمر العمال في " يافا " عام 1947 تؤكد ذلك وفيها يقول:

قالوا يساريون: قلت أجلهم عملاً ومبدأ

وطني على أيديهم يجني على الأيام سعدا

هذي المطارق والمناجل تحصد الظلام حصداً

وقد لا نلوم الشاعر في هذا التوجه لأن الشيوعية في تلك المرحلة كانت القميص الذي يتباهى به المثقفون الفلسطينيون ولا نغالي إن قلنا إن شعراء اليسار الفلسطينيين جميعاً تأثروا بروح هذا الشاعر الكبير وأسلوبه الشعري وكتبوا قصائدهم كما أسلفنا على طاولته التي تركها في مكتبه في يافا كما صرح هو نفسه بذلك حين قال " إن طاولتي كانت أول قطعة أثاث في مكتب مجلة / الجديد/ " اليسارية " التي صدرت في الأراضي المحتلة عام 1951 وفوق هذه الطاولة كتب شعراء اليسار الفلسطيني محمود درويش وأقرانه.

لم يكن الشاعر " أبو سلمى " يتـوقع أن تطول غربته، وهو الذي حمل معه مفاتيح بيته ومكتبه أملاً بالعودة بعد أسابيع فقط !! ولهذا كانت النكبة صدمة خلخلت قناعاته... ولكنه لم يفقد الأمل بالعـودة.

يا فلسطين وكيف الملتقى هل أرى بعد النوى أقدس ترب ؟

إلى أن يقول مستبشراً:

كفكف الدمع وسر في أفق حافل بالأمل الضاحك رحب

يا أخي ما ضاع منا وطن خالد تحمله في كل قلب !

وحين يشعر أن العودة قد تأخرت فلابد أن يكون أولى الأمر هم المسؤولون هن هذا التأخير ولهذا تبرأ منهم إذ يقول:

أملوك وهم إذا نسب العار إليهم أبى انتساباً معيباً

هذه الثنائية: حكام متخاذلون... وشعوب مقهورة مغلوب على أمرها هي التي تنسج قصائد الشاعر الكبير.

يا أحباي يا رفاق الأماني قبلوا عني التراب الخضيبا

ولا أعتقد أن أحداً لا يحفظ قصيدته الذائعة أو يطلع عليها على الأقل " داري " التي يختزل فيها جمال فلسطين ومدى تعلقه فيها والتي يقول في مطلعها:

هل تسألين النجم عن داري وأين أحبابي وسُمّاري

داري التي أغفت على ربوة حالمة بالمجد والنار

الشمس لا تضحك إلا لها تهدي إليها وشي أستار

والشاعر بطبيعة الحال لا يعني داره هو وإنما يقصد فلسطين كلها بكل مفرداتها الجميلة وحياة أهلها قبل النكبة.

أما قصيدته سنعود فهي درة قصائده وقد عارضها الكثير من الشعراء ومازال لها دوي حتى الآن رغم بساطتها ووضوحها وقد بدأها بمخاطبة دمشق التي أحبها وأمضى فيها مطلع شبابه طالباً في " مكتب عنبر "

ولي في غوطتيك هوى قديم تغلغل في أماني العذاب

درجت على ثراك وملء نفسي عبير الخالدين من التراب

وعندما يأتي دور فلسطين يقول متوجعاً:

فلسطين الحبيبة كيف أغفو وفي عيني أطياف العذاب

فلسطين الحبيبة كيف أحيا بعيداً عن سهولك والهضاب

أسئلة ثقيلة على النفس، تحرك جمر الأسئلة في قلب كل لاجئ فلسطيني وتأبى طبيعة فلسطين الخلابة إلا أن تكون حاضرة في هذه القصيدة المتفردة من شعر أبي سلمى سفوحاً وجداول وشواطئ ومدناً، ويستسرسل الشاعر في الوصف والتصوير وطرح الأسئلة إلى أن يصل إلى السؤال الصعب:

ويسألني الرفاق ألا لقاء وهل من عودة بعد الغياب ؟؟

وهنا يأتي الجواب قاطعاً ممهوراً بالأمل والثقة بالعودة إلى الديار

أجل سنقبل الترب المندى وفوق شفاهنا حمر الرغاب

غداً سنعود والأجيال تصغي إلى وقع الخطى عند الإياب

نعود مع العواصف داويات مع البرق المقدس والشباب

وتنتهي القصيدة بالتأكيد ذاته... بالعبارة التي لا تغني عنها عبارة أخرى في اليقين

أجل ستعود آلاف الضحايا ضحايا الظلم تفتح كل باب.

ولعل شاعرنا الكبير وهو يتدفق عاطفة نسى أنه أحياناً يكرر بعض العبارات وبعض الأفكار في هذا البحر الشعري / الوافـر/ الذي يغري دائماً بالاسترسال والتكرار.

كان الشاعر ممتلئاً بحلم العودة في الزمن الذي كتب فيه النص زمن الكفاح المسلح يوم كانت فلسطين قضية العرب الأولى، وكان الخارج على الإجماع آنذاك خائناً ! ولو قدر للقصيدة أن تكتب اليوم لكان فيها من الوجع ومن اللوم والعتاب والنقد والإدانة الشيء الكثير رحم الله " أبا سلمى " الذي لم يمهله الموت ليرى ما نراه اليوم من تصدعات ومؤامرات ومواقف علنية لبعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية يندى لها الجبين..

والشاعر لا يتردد في قصائد كثيرة في الإدانة وهي قصائد تمتزج بالغضب والأسى معاً:

كلما قلت أطل الفجر غابا أترى تغدو فلسطين سرابا ؟

مسح الأهل رسومات الخطا لم نجد خلف المنى إلا سرابا

صرخت منا الجراحات عتابا كيف لا يسمع أهلونا العتابا

ثم يكرر اللازمة نفسها في رشق الزعامة العربية بأسهمه

أنتم لولا فلسطين لُقى أنتم لولا فلسطين ذنابى !!

الشاعر أبو سلمى في غمرة انفعاله الشعري يظل واضح الرؤية منطلقاً إلى هدفه فهو شاعر مطبوع _ سلس العبارة، واضح المعنى ذو ثقافة عربية أصيلة، ولهذا كان شعره صورة لعصره وغصناً في دوحة الشعر العربي الأصيل.

والشاعر الحق هو الذي يستشرف الأحداث قبل وقوعها وهذا ما لمحته في قصيدته / بقايا أهلي / التي يعرج فيها على " غزة " وأهلها إذ يقول مشيداً بوحدة الشعب الفلسطيني:

نحن لم نفترق مشينا على الجمر جميعاً مشي الأسود الضراغم

وجراحاتكم لدى كل ميدان جراحاتنا فنحن توائم

وبطولاتكم بطولات أهلي قد وعاها الزمان دون تراجم

وكأني بالقصيدة قد كتبت اليوم حيث يجسد فيها شاعرنا الكبير جهاد أهل غزة الميامين، ويضمد جراحهم.. ويشد قلبه إلى قلوبهم..

ولو عاش أبو سلمى إلى زماننا هذا ورأى ما يحاك لغزة وأهلها تحت جنح الظلام لجعل من شعره حمما ً تتلظى لأن جرأته التي عهدناها فيه لا تسمح له إلا أن يصدع بالحق فهو متشبع بروح الوطنية الحقة التي لا تساوم ولا تتنازل عن الثوابت ولم أجد قصيدة في وصف اللاجئ الفلسطيني أصدق وأعمق من قصيدة أبي سلمى التي يقول فيها:

أرى الحدود دون أهلي وحدهم ووحدهم جباههم تُعَفر

هوية صفراء في أيديهمو كأنما هي الهواء الأصفر

على جبين كل شخص كتبوا بالنار " هذا لاجئ محتقر" !

وكلما مر بهم صاحوا به العربي التائه المهجر

الشاعر في هذا النص يعبر عن تجربة شخصية ويطرح مسألة الهوية التي تؤرق الفلسطيني

تدمي قلبه، ولكنه يأبى الاستسلام لهذا الواقع السلبي فيرفع الصوت قائلاً:

اللاجئون والرماد فوقهم متى متى بركانهم ينفجر ؟

هذي فلسطين تنادي شعبها السفح والربوة والمنحدر

قلّ أن تقرأ نصاً لهذا الشاعر الراسخ دون أن تشم منه رائحة التحريض على الثورة والتنديد بالمتخاذلين ففلسطين قضيته الأولى والأخيرة... من دماء شهدائنا غمس ريشته ومن بركان ثورتها أشعل قنديله !! ويكاد شعره أن يكون قاموساً جغرافياً لفلسطين وبكلمة أخرى الذاكرة الحية لهذا الوطن السليب.

مدّ جناحك على "الكرمل " " اللد " والرملة " والمجدل "

" يافا " تناجيك فعرج بها وقل لبياراتها هللي

أما تعطرت بأطيابها أطياب " بئر السبع " والقسطل " ؟

ومن القصائد المعدودة للشاعر تلك التي ألقاها عام 1974 في حفلة تابين صديقه الشاعر المصري عزيز اباظة والتي غنّى فيها لفلسطين ولمصر وللوحدة العربية. وقد لاقت صدى واسعاً في الصحافة العربية إذ يقول في مطلعها:

وحملنا من فلسطين الجراحا ألسناً في المهرجانات فِصاحا

وشظايانا اللواتي انتشرت قد لبسناها وشاحاً فوشاحا

رغم أن المناسبة مختلفة إلا أن فلسطين لابد وأن تحضر في القصيدة بكامل زينتها وألقها، بجراحها وزيتونها وبرتقالها وشواطئها !

يا فلسطين أتيناك على صهوة الجرح – رعوداً ورياحاً

حسبوا أن رماحي انكسرت إن لي في كل ميدان رماحا!

ثم يعرج على رثاء الصديق الشاعر:

" يا عزيز " الشعر من بعد النوى لم نجد للشعر فرساناً وساحا

صحيح أن معاني الرثاء تقليدية مألوفة ولكن الشاعر ابن بيئته الثقافية... ولا ينتظر منه أن يقدم إلا ما تسمح به هذه البيئـة.

وحدة التاريخ فيما بيننا والدم الحر الذي روى البطاحا

فتـرات ومصير واحد أين من يقطع أوشاجاً صحاحـا ؟

ألا تذكرك هذه القصيدة بالنفس الشعري للأخطل الصغير وهو يقول عن فلسطين:

يا جـهاداً صفق المجـد له لبس الغار عليه الأرجوانـا

شـرف باهـت فلسطين به وبنـاء للمعالي. لا يدانـى

نحن يا أخت على العهد الذي قد رضعناه من المهد كلانا

إن جرحاً سال من جبهتهـا لثمتـه بخشـوع شـفـتانا

ولا عجب أن يتشابه الشاعران فهما يصدران من مشكاة واحدة , ومن ثقافة عربية متشابهة , ووطنيه مخلصه ومناخ شعري واحد.

ولعل قصيدة أبي سلمى في رثاء عزيز أباظة هي من انضج قصائده فنياً حيث سمو الخيال , ورصانة التعبير وطول النفس وقوة الأداء ونبالة الفكرة , وملحوظة طول النفس لاحظتها في قصائد الشاعر المتأخرة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعة اطلاع وطول ممارسة وتجريب ولا يعيب الشاعر الكبير إذا ما قلت إنني كنت أرى بين الحين والآخر ملامح من فصائد الشاعر الكبير عمر أبي ريشة تطل من قصائده.

رحم الله زيتونة فلسطين وشاعرها الأول الذي غنى ملاحم كفاحها وحمل على كاهله عبء جهاد أهلها وظل حتى أيامه الأخيرة يبشر بالعودة إلى فلسطين. إن مسيرته الشعرية تجسد الثقافة الوطنية الفلسطينية في تلك المرحلة ويعتبر مع رفيق دربه إبراهيم طوقان أول من أسس للقصيدة الوطنية الملتزمة بقضايا الشعب على ارض فلسطين وأول من كتب القصيدة الملتزمة فنياً والقادرة على الوقوف على قدميها فنافس بذلك قصائد الفحول من شعراء هذه الأمة مثل بدوي الحبل وأبو ريشة والجواهري وسواهم.

وإنني في الختام:

اعترف بأنني أغفلت الحديث عن الجانب الفني في شعر هذا الشاعر الرائد , ولم انظر إليه من خلال المعايير النقدية الحديثة التي تلغي الشاعر وبيئته وثقافته وأشواقه وتكتفي بالتركيز على العلاقات اللغوية والبنى الشكلية والحساسية الشعرية الجديدة والمغامرات التجديدية على مستوى الشكل.

واعترف أيضاً أنني أعطيت ذائقتي الفنية مساحة واسعة في تحليل النصوص ولا يهمني أن يقال إن هذا المنهج هو الانطباعية الواقعية: أو انطباعية غير منهجة.

فمع شاعر مؤسس كأبي سلمى لا يهمني التنظير الأدبي بل يهمني أن يتعرف هذا الجيل على صوت شعري مدوٍ من ارض الأنبياء والشعراء ارض فلسطين بل هو أبو الشعراء الفلسطينيين جميعاً وأنا لي الشرف أن أكون واحد من هؤلاء حككنا أجنحتنا بهذا الجذع الراسخ ولذنا بين أغصانه في أيام الصقيع وكنا دائماً نفاخر أن لدينا شعراء حقيقيين أنجبتهم الأرض الطيبة , فما ذكر " أبو سلمى " إلا ذكرت فلسطين , وما ذكرت فلسطين إلا اهتزت قلوبنا لسماع بلبلها الغريد الشاعر الكبير عبد الكريم الكرمي رحمه الله.

المصدر: بيت فلسطين للشعر
 « رجوع   الزوار: 1605

تاريخ الاضافة: 07-06-2013

.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة مشاركة »

اسمك
ايميلك
تعليقك
7 + 5 = أدخل الناتج

.

جديد قسم ركن المقابلات

رحيل أم عزيز الديراوي.. رمز قضية اللاجئين الفلسطينيين المفقودين بلبنان

"المقروطة".. تراث فلسطيني أصيل

عندما اقتلعت العاصفة خيمة طرفة دخلول في ليلة عرسها ورحلة العذاب اثناء النكبة

أم صالح.. لبنانية تقود العمل النسوي في القدس منذ 70 عاما

الفنان التشكيلي محمد نوح ياسين يرسم عذابات اللاجئ الفلسطيني بخيط ومسمار

القائمة الرئيسية

التاريخ - الساعة

Analog flash clock widget

تسجيل الدخول

اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني   
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟

القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك

عدد الزوار

انت الزائر :286215
[يتصفح الموقع حالياً [ 127
تفاصيل المتواجدون

فلسطيننا

رام الله

حطين

مدينة القدس ... مدينة السلام

فلسطين الوطن

تصميم حسام جمعة - 70789647 | سكربت المكتبة الإسلامية 5.2

 

جميع الحقوق محفوظة لرابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان ©2013