.

عرض المقال :تحرير بيت المقدس استعادة الكرامة

  الصفحة الرئيسية » ركـن المقالات

تحرير بيت المقدس استعادة الكرامة

http://www.qaradawi.net/mritems/images/2007/8/12/2_5323_1_11.jpg

إن أعظم الأمراض التي يمكن أن تصيب القلوب وتحطم النفوس وتغتال الأحلام والآمال وتفتك بالرجاء هو مرض اليأس الذي تغلغل في قلوب المسلمين، فإن اليأس إذا دخل قلباً وتمكن منه فإنه يحول صاحب القلب إلى حطام إنسان وخيال مآتة وخاصة المسلم فمع اليأس المسلم جثة هامدة لا يتحرك ولا يتكلم ولا يعمل ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا حتى يحلم ويتمنى , مع اليأس يرتدي المسلم نظارة سوداء يرى بها كل الأشياء سوداء حتى نور الصباح عنده أسوداً لذلك فإن الله عز وجل نهى عن اليأس وحذر منه ووصف أهله بأشد الأوصاف عندما قال عز وجل: ' وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ' (يوسف 87)
واليأس الآن هو الذي يصور للمسلمين أن أعدائهم لا يقهرون وأنه لا يمكن الانتصار عليهم.
واليأس الآن هو الذي يحجم ويعطل كل محاولات الانبعاث والانطلاق لاستعادة الكرامة المفقودة والمجد الضائع.
واليأس الآن هو الصخرة الكؤود التي تقف في طريق النجاح، وتتحطم عليها كل المجهودات المخصلة لنصرة الدين والرقي إلى العلا، وبالجملة فإن اليأس داء قاتل قتال للناس عامة والمسلمين خاصة، والحق أن المسلمين يفترض أن يكونوا أبعد الناس عن اليأس، ولكنهم لما تخلوا عن دينهم وهجروا قرآنهم ونبذوه وراء ظهورهم وآثروا الدنيا على الآخرة وقعوا في اليأس؛ لأنهم أصبحوا بين الدنيا والآخرة، فلا هم نالوا حظهم من الدنيا، ولا هم عملوا للآخرة.
ولعل أهم أسباب وقوع المسلمين في داء اليأس هو جهلهم بتاريخهم ما جرى لأجدادهم من مواقف تشبه إلى حد كبير ما يجري على الساحة اليوم، والتاريخ خير شاهد على أنه مهما طال الظلم والظلام واشتد سواد الليل فإن الفجر الباسم قادم من جوف الليل الجاثم، وصفحتنا تلك التي سنعرض لها خير وأفضل دليل وشاهد على ما نقول.
عندما تولى صلاح الدين الأيوبي الأمر بعد وفاة نور الدين محمود رفع راية الجهاد التي رفعها نور الدين من قبل، وكان أمامه هدف أسمى وحلم يراوده من نعومة أظافره هو وأستاذه نور الدين، ألا وهو تحرير بيت المقدس؛ فبدأ صلاح الدين رحلة التحرير من سنة 570هـ ووجد صلاح الدين أن أمامه عدة عقبات لابد التخلص منها؛ إذ كان المسلمون يريدون فتح بيت المقدس، وهذه العقبات كالآتي:
1- خطر وعقبة الدولة العبيدية الباطنية التي في مصر: والتي تتحمل الوزر الأكبر في دخول الصليبيين لبلاد الشام؛ لأنهم هم الذين كتبوا لهم ليدخلوا الشام ليقاوموا قوة الدولة السلجوقية السنية، والتي حاولت إزالة الفاطميين، وهذه العقبة استطاع صلاح الدين القضاء عليها بإسقاط آخر خلفاء الفاطميين، العاضد، وتحويل الديار المصرية إلى المذهب السني، وقضى على كل محاولات الشيعة إعادة الدولة الفاطمية في مصر، فاطمأن بذلك على الجبهة الداخلية.
2- عقبة تفرق الصف المسلم: ذلك أن مدن الشام التي كانت ما زالت تحت حكم المسلمين مثل دمشق وحلب وغيرهما كان أمراء تلك البلاد بينهم تفرق وتشرذم، ورايتهم مفرقة، بل إن معظمهم كان ضد صلاح الدين الأيوبي يرون السلام مع الصليبيين على الصلح مع صلاح الدين، فاضطر صلاح الدين إلى مهادنة الصليبيين حتى يرتب أوضاع البيت الداخلية، وبالفعل بدأ صلاح الدين في توحيد الصف المسلم في الشام ومصر، وذلك باستخدام الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، والحصار مرة والقتال مرة أخرى، كما حدث مع أهل حلب والموصل، وأثناء ذلك حاول أهل حلب اغتيال الناصر صلاح الدين، ولكن الله عز وجل نجاه من هذا الكيد، وما تم الأمر إذا أراده صلاح الدين من توحيد المسلمين إلا سنة 578هـ، عندما ملك مدينة دمشق بعد وفاة أميرها، وهكذا توحدت الشام ومصر تحت راية واحدة.
3- عقبة وجود بعض النقاط الحصينة للصليبيين: بعد أن تم لصلاح الدين ما أراد من ترتيب الجبهة الداخلية التفت إلى الصليبيين، فوجد أن هؤلاء منتشرون إما في مدن قوية كبيرة وإما في حصون وقلاع متناثرة في بلاد الشام، فرأى صلاح الدين أن يبدأ بالحصون والقلاع المتناثرة والتي تمثل بؤر مشتعلة في منطقة الشام، فأطلق صلاح الدين صيحة الجهاد المقدس سنة 580هـ، وأرسل إلى العساكر الحلبية والجزيرية والمصرية والشامية ليقدموا عليه لقتال الفرنج، واستمر صلاح الدين في حملته الجهادية من سنة 580 هـ وحتى سنة 583هـ.
بانت أول إشارات النصر وعلامات الرضا من المولى جل وعلا على عباده المؤمنين المجاهدين عندما انتصر المسلمون على الصليبيين في موقعة حطين الهائلة، وما وقع فيها من الآيات الباهرات؛ من أسر ملوك الصليبيين واستلاب صليبهم المقدس، وقتل صلاح الدين لأمير الكرك أرناط الكافر الملعون بيديه لخبث أعماله وسوء فعاله مع المسلمين، وكانت هذه الموقعة أكبر حافز للمسلمين ليواصلوا كفاحهم وجهادهم لتحرير بيت المقدس، ففتحوا في طريقهم مدينة عكا وطبرية ويافا وصيدا وبيروت وغيرهم من الحصون، وفتحوا عسقلان وما حولها من الحصون، كل ذلك لينقطع سبيل الإمدادات على بيت المقدس فيسهل تحريرها.
كان بيت المقدس قد لجأ إليه كل صليبي منهزم في المعارك السابقة من الداوية وفرسان المعبد الصليبي، وكان بالمدينة البطريرك الأعظم عندهم؛ فاجتمع في المدينة أعداد ضخمة بلغت ستين ألفًا، وانضم إليهم أهل عسقلان، واستوثقوا على القتال حتى الموت والدفاع عن هذه المدينة، وكلهم يرى أن الموت أيسر عليه من أن يملك المسلمون بيت المقدس.
نزل صلاح الدين بالجيوش الإسلامية المتحدة على بيت المقدس، وذلك في 15 رجب سنة 583 هـ، فوجد المدينة شديدة التحصين، واستدل على كثرة من فيها بالضجيج والجلبة الصادرة من داخلها، ودار الناصر حول المدينة حتى يستطيع أن يحدد أي الأماكن التي سيركز عليها الهجوم، وبالفعل حدد نقطة الهجوم في 20 رجب 583هـ، ونصب عليها المجانيق، وبدأ القتال يشتعل، وقاتل الصليبيون دون البلد قتالاً هائلاً، وبذلوا أرواحهم ودمائهم دون ذلك في نصرة دينهم وصليبهم، وأثناء القتال استشهد الأمير عز الدين عيسى ـ وهو من أكابر الأمراء ـ وكان محبوبًا للعام والخاص، فلما رأى المسلمون مصرعه عظم عليهم ذلك، فحملوا حملة رجل واحد على سور المدينة، فأزالوا الصليبيين عن مواقعهم، وتعلقوا بسور المدينة، ونقبوا سورها والمنجنيقات توالي الرمي على الأسوار، واشتعلت القلوب عندما رأت الصلبان معلقة على الجدران، وقبة الصخرة عليها صليب كبير، وزاد ذلك قلوب أهل الإيمان حنقًا وغضبًا لله عز وجل، وشدوا كالأسود من أجل نصرة الرب المعبود، واستطاع المسلمون نقب جزءًا من السور وأسقطوا برجًا وقتلوا من فيه من الصليبيين، فلما رأى الصليبيون شدة قتال المسلمين وعزمهم الأكيد على فتح البلد خرج ملك المدينة الصليبي 'باليان' إلى صلاح الدين يطلب منه الصلح وتسليم البلد، وذل للناصر ذلة شديدة ورجاه واستعطفه، ولكن الناصر صلاح الدين قال: ' لا أفتحها إلا عنوة كما افتتحتموها أنتم عنوة، ولا أترك بها أحد من النصارى إلا قتلته كما قتلتم أنتم من كان فيها من المسلمين ـ وكانوا قد قتلوا سبعين ألفًا من المسلمين يوم أن احتلوا المدينة ـ وعندما شعر 'باليان' باليأس قال للناصر: 'إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل نساءنا وأطفالنا وقتلنا أسارى المسلمين ـ وكانواخمسة آلاف أسير ـ ثم نحرق الدور والأماكن الحسن ونهدم قبة الصخرة والمسجد الأقصى ثم نخرج لكم بسيوفنا نقاتل قتال من لا يرجو حياة حتى نموت أعزاء ولا نموت حتى نقتل منكم أعدادنا' فعندها وافق صلاح الدين على الصلح على أن يدفع كل واحد منهم عشرة دنانير للرجل وخمسة دنانير للمرأة واثنين للصغير، وكتب عقد صلح على هذا الأساس، وخرج الصليبيون من المدينة، وسامح الناصر صلاح الدين الكثير منهم عند الخروج.
مشاهد مضيئة ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ :
* سمح صلاح الدين للفقراء بالخروج من المدينة دون جزية، وقضى يومًا كاملاً من بزوغ الشمس حتى غروبها وهو فاتح الباب للعجزة والفقراء ليخرجوا من غير فدية.
* قال أحد المؤرخين الصليبيين ـ واسمه 'مل' ـ: 'ذهب عدد من المسيحيين الذين غادروا القدس إلى أنطاكيه المسيحية فلم يكن نصيبهم من أميرها إلا أن أبى عليهم أن يضيفهم فطردهم فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين فقوبلوا بكل ترحاب.
* خرج البطريرك الأكبر للنصارى من المدينة ومعه أموال عظيمة لم يصرفها في فداء فقراء الصليبيين، فقيل ذلك للناصر صلاح الدين، فقال: ' لا أغدر به ولا آخذ منه غير العشرة دنانير فقط '. ويعلق على هذه الحادثة ' ستانلي بول ' قائلاً: ' وقد وصل الأمر إلى أن سلطانًا مسلمًا يلقي على راهب مسيحي درسًا في معاني البر والإحسان'.
دخل المسلمون المدينة في 27 رجب سنة 583 هـ، فوجدوا أن الصليبيين قد غيروا ملامح المدينة، وخاصة المسجد الأقصى الذي ملأه الصليبيون صلبانًا ورهبانًا وخنازير، ووجدوا أنهم قد جعلوا قبلة المسجد خلاءً ـ عليهم لعنة الله في الدنيا والآخرة ـ وقد وضعوا أعلى قبة الصخرة صليبًا كبيرًا من الذهب، فتسلق بعض المسلمين الصخرة وقلعوا هذا الصليب، وعندها صاح الناس كلهم صوتًا واحدًا من داخل الميدنة وخارجها؛ المسلمون كبروا فرحًا، والصليبيين صاحوا توجعًا وحزنًا، فكانت أعظم صيحة سمعت على وجه الأرض وقتها، ونظفت المدينة وغسلت الصخرة بماء الورد، وطهر المسجد الأقصى من رجس الصليبيين، وأقيمت أول صلاة جمعة في المسجد الأقصى في 4 شعبان 583 هـ، وأحضر المنبر الذي صنعه نور الدين محمود ليوضع في المسجد الأقصى عند فتحه، فكان ما بين صنعه وفتح بيت المقدس عشرون سنة، وهذا من كرامات نور الدين رحمه الله، وقام الخطيب محيي الدين بن الزكي ـ خطيب دمشق ـ فخطب خطبة عظيمة، بدأها كلها بتحميدات القرآن، ذكرها المؤرخون بطولها، ولنا أن نتخيل منظر الناس يوم أن رفع المؤذن الأذان لأول مرة في المسجد الأقصى بعد واحد وتسعين سنة من الأسر، ولقد عزم صلاح الدين على هدم كنيسة القيامة ليقطع قدوم الصليبيين إليها للأبد، فقيل له أنهم لا يتركون الحج إلى هذه البقة ولو كانت قاعًا صفصفًا، وعمر لم يفعل ذلك عند فتح المدينة أول مرة، فتركها تأسيًا بالفاروق، ولم يترك من النصارى فيها سوى أربعة يخدمونها وحال بين الصليبين وبينها.
في خاتمة هذه الصفحة نريد أن نوضح حقيقة هامة أن المسلمين وقتها رغم ضعفهم وتفرقهم لم يدخل اليأس في قلوبهم رغم طول فترة الأسر الصليبي لبيت المقدس، فلم يعترف واحد منهم بالوجود الصليبي على ارض المقدس، ولم يسلّم لهم بذلك، ولم يقل أن لهم حقًا بها، ولم يضع أي أسير مسلم يده في يد الصليبيين في معاهدة تقسم البلاد بينهم وبين الصليبيين، بل ظلوا طوال واحد وتسعين سنة يجهزون ويجاهدون ويكافحون من أجل تحقيق هذا الهدف الغالي ـ ألا وهو تحرير تلك البقعة الطاهرة ـ وإنما نقول ذلك لمن يأس من خروج الصهاينة من نفس المكان، وظن أن فترة الثلاثة والستين عامًا قد أعطتهم الحق في هذا المكان، وأن احتلالهم البلد لفترة طويلة قد أعطاهم صك ملكية لها، لهؤلاء وهؤلاء نهدي لهم تلك الصفحة.
 « رجوع   الزوار: 2051

تاريخ الاضافة: 12-02-2011

.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة مشاركة »

اسمك
ايميلك
تعليقك
9 + 2 = أدخل الناتج

.

جديد قسم ركـن المقالات

«الأونروا» أمام اختبار العجز والهدر

آثار قاسية يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. ممنوعون من البناء في المخيمات والتملك خارجها

«كلاوس» تؤكد على أولوية إصلاح التعليم ورفع جودة التعليم في مدارس «الأونروا»

لاعب كويتي ينسحب من بطول المبارزة العالمية في بلغاريا

الشاعر الفلسطيني ياسر الوقاد يفوز بجائزة مسابقة الكتابة الموجهة للطفل على مستوى العالم العربي 2023

القائمة الرئيسية

التاريخ - الساعة

Analog flash clock widget

تسجيل الدخول

اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني   
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟

القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك

عدد الزوار

انت الزائر :286213
[يتصفح الموقع حالياً [ 102
تفاصيل المتواجدون

فلسطيننا

رام الله

حطين

مدينة القدس ... مدينة السلام

فلسطين الوطن

تصميم حسام جمعة - 70789647 | سكربت المكتبة الإسلامية 5.2

 

جميع الحقوق محفوظة لرابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان ©2013